فصل: سنة ست وتسعين ومائة وألف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.سنة ست وتسعين ومائة وألف:

فيها في صفر نزل مراد بك وسرح بالأقاليم البحرية وطاف البلاد الشرقية وطلب منهم أموالاً وفرض عليهم مقادير من المال عظيمة وكلفاً وحق طرق معينين وغير ذلك ما لا يوصف، ثم نزل إلى الغربية وفعل بها كذلك، ثم إلى المنوفية.
وفي منتصف شعبان، ورد أغا بطلب محمد باشا ملك إلى الباب ليتولى الصدارة، فنزل من القلعة إلى قصر العيني وأقام بقية شهر شعبان ونزل في غرة رمضان، وسافر إلى سكندرية.
فكانت مدة ولايته ثلاثة عشر شهراً ونصفاً. وهاداه الأمراء ولم يحاسبوه على شيء. ونزل في غاية الإعزاز والإكرام، وكان من أفاضل العلماء متضلعاً من سائر الفنون ويحب المذاكرة والمباحثة والمسامرة وأخبار التواريخ وحكايات الصالحين وكلام القوم، وكان طاعناً في السن منور الشيبة متواضعاً، وحضر الباشا الجديد في أواسط رمضان ونزل إليه الملاقاة وحضر إلى مصر في عاشر شوال وطلعوه قصر العيني، فبات به وركب بالموكب في صبحها ومر من جهة الصليبة وطلع إلى القلعة وذلك على خلاف العادة.
وفيه جاءت الأخبار على أيدي السفار الواصلين من اسلامبول بأنه وقع بها حريق عظيم لم يسمع بمثله، واحترق منها نحو الثلاثة أرباع، واحترق خلق كثير في ضمن الحريق، وكان أمراً مهولاً، وبعد ذلك حصل بها فتنة أيضاً ونفوا الوزير عزت محمد باشا وبعض رجال الدولة.
وفي ليلة السبت ثامن عشر القعدة، هرب سليم بيك وإبراهيم بك قشطة وتبعهم جماعة كثيرة نحو الثمانين، فخرجوا ليلاً على الهجن وجرائد الخيل وذهبوا إلى الصعيد وأصبح الخبر شائعاً، بذلك فارتبك إبراهيم بك ومراد بك ونادى الأغا والوالي بترك الناس المشي من بعد العشاء.

.من توفي في هذه السنة من الأعيان:

توفي الأستاذ الوجيه العظيم السيد محمد أفندي البكري الصديقي نقيب السادة الأشراف بالديار المصرية، كان وجيهاً مبجلاً محشتماً سار في نقابة الأشراف سيراً حسناً مع الإمارة وسلوك الإنصاف وعدم الاعتساف، ولما توفي ابن عمه الشيخ أحمد شيخ السجادة البكرية تولاها بعده بإجماع الخاص والعام مضافة لنقابة الأشراف، فحاز المنصبين وكمل له الشرفان. ولم يقم في ذلك إلا نحو سنة ونصف. وتوفي يوم السبت عاشر شعبان، فحضر مراد بك إلى منزله وخلع على ولده السيد محمد أفندي ما كان على والده من مشيخة السجادة البكرية ونقابة الأشراف، وجهز وكفن وخرجوا بجنازته من بيتهم بالأزبكية، وصلوا عليه بالجامع الأزهر في مشهد حافل، ودفن بمشهد أجداده بالقرافة.
ومات الشريف العفيف الوفي الصديق محمد بن زين بأحسن جمل الليل الحسيني باعلوى التريمي الأصل نزيل الحرمين، سكن بهما مدة واتصل بخدمة الشيخ القطيب السمد الشيخ باعبود، فلوحظ بأنظاره وكان يحترمه ويعترف بمقامه، ويحكي عن بعض مكاشفاته ووارداته، وصحب كلاً من القطب السيد عبد الله مدهر وعارفة وقتها الشريفة فاطمة العلوية والشيخ محمد ابن عبد الكريم السمان والشيخ عبد الله ميرغني وجماعة كثيرين من السادة والواردين على الحرمين من الأفاضل وله محاورة لطيفة ولديه محفوظة ومعرفة بدقائق علم الطب وسليقة في التصوف. ورد إلى مصر سنة 1181، هو عائد من الروم، واجتمع بأفاضلها، وعاشر شيخنا السيد محمد مرتضى وأفاده وأرشده إلى أمور مهمة، وسافر صحبته لزيارة الشهداء بدمياط ولاقاه أهلها بالاحترام. ثم توجه إلى الحرمين الشريفين وأقام هناك واجتمع به الشيخ محمد الجوهري وآخاه في الصحبة، وكان مع ما أعطي من الفضائل يتجر بالبضائع الهندية ويتعلل بما يتحصل منها، وبآخره سافر إلى الديار الهندية، وبها توفي في هذه السنة.
ومات العمدة الفاضل واللوذعي الكامل الرحلة الدراكة بقية السلف الورع الصالح الزاهدالشيخ موسى بن داود الشيخوني الحنفي إمام جامع شيبون وخطيبه وخازن كتبه، وكان إنساناً حسناً عظيم النفس منور الشيبة ضخم البدن فقيهاً مستحضراً المناسبات مهذب النفس لين الجانب تقياً معتقداً، ولما وقف الأمير أحمد باشجاويش كتبه التي جمعها وضعها بخزانة كتب الوقف تحت يد المترجم لاعتقاده فيه الديانة والصيانة رحمهما الله تعالى.

.سنة سبع وتسعين ومائة وألف:

فيها تسحب أيضاً جماعة من الكشاف والمماليك وذهبوا إلى قبلي، فشرعوا في تجهيز جريدة، وعزم مراد بك على السفر وأخذ في تجهيز اللوازم فطلب الأموال فقبضوا على كثير من مساتير الناس والتجار والمتسببين وحبسوهم، وصادروهم في أموالهم، وسلبوا ما بأيديهم. فجمعوا من المال ما جاوز الحد ولا يدخل تحت العد.
وفي منتصف ربيع الآخر، برز مراد بك للسفر وأخرج خيامه إلى جهة البساتين وخرج صحبته الأمير لاجين بك وعثمان بك الشرقاوي وعثمان بك الأشقر وسليمان بك أبو نبوت وكشافهم ومماليكهم وطوائفهم، وسافروا بعد أيام.
وفي أواخر جمادى الثانية وردت الأخبار بأن رضوان بكم قرابة علي بك حضر إلى مراد بك وانضم إليه، فلما فعل ذلك انكسرت قلوب الآخرين وانخذلوا ورجعوا القهقرى ورجع مراد بك أيضاً إلى مصر في منتصف شهر رجب، وترك هناك مصطفى بك وعثمان بك الشرقاوي وعثمان بك الأشقر.
وفي يوم الخميس سادس عشرين رجب، اتفق مراد بك وإبراهيم بك على نفي جماعة من خشادشينهم وهم إبراهيم بك الوالي وأيوب بك الصغير وسليمان بك الأغا ورسموا لأيوب بك أن يذهب إلى المنصورة فأبى وامتنع من الخروج، فذهب إليه حسن كتخدا الجربان كتخدا مراد بك واحتال عليه فركب وخرج إلى غيط مهمشة ثم سافر إلى المنصورة. وأما إبراهيم بك الوالي فركب بطوائفه ومماليكه وعدى إلى بر الجيزة فركب خلفه علي بك أباظة ولاجين بك وحجزوا هجنه وجماله عند المعادي وعدوا خلفه، فأدركوه عند الأهرام، فاحتالوا عليه وردوه إلى قصر العيني، ثم سفروه إلى ناحية السرو ورأس الخليج. وأما سليمان بك فإنه كان غائباً بإقليم الغربية والمنوفية يجمع من الفلاحين فرداً وأموالاً ومظالم، فلما بلغه الخبر رجع إلى منوف فحضر إليه المعينون لنفيه، وأمروه بالذهاب إلى المحلة الكبرى، فركب بجماعته وأتباعه فوصل إلى مسجد الخضر، فاجتمع بأخيه إبراهيم بك الوالي هناك فأخذه صحبته وذهبا إلى جهة البحيرة.
وفي يوم الأحد غاية شهر رجب طلع الأمراء إلى الديوان وقلدوا خمسة من أغوات الكشاف صناجق وهم عبد الرحمن خازندار إبراهيم بك سابقاً وقاسم أغا كاشف المنوفية سابقاً وعرف بالموسقو وهو من مماليك محمد بك وأشراف إبراهيم بك وحسين كاشف وعرف بالشفت بمعنى اليهودي وعثمان كاشف ومصطفى كاشف السلحدار وهؤلاء الثلاثة من طرف مراد بك.
وفي شهر شعبان وردت الأخبار من ثغر سكندرية بوصول باشا إلى الثغر واسمه محمد باشا السلحدار والياً على مصر فنزل الباشا القديم من القلعة إلى القصر بشاطئ النيل.
وفي أواخر شعبان وصل سلحدار الباشا الجديد بخلعة قائمقامية لإبراعيم بك.
وفيه وصلت الأخبار بأن سليمان بك وإبراهيم بك رجعوا من ناحية البحيرة إلى كندتا وجلسوا هناك، وأرسلوا جوابات إلى الأمراء بمصر بذلك وأنهم يطلبون أن يعينون لهم ما يتعيشون به.
وفيه أرسلوا خلعة إلى عثمان بك الشرقاوي بأن يستقر حاكماً بجرجا، وطلبوا مصطفى بك وسليمان بك أبا نبوت وعثمان بك الأشقر للحضور إلى مصر فحضروا، واستقر عثمان بك الشرقاوي بجرجا.
وفي غرة رمضان هرب سليمان بك الأغا وإبراهيم بك الوالي من طندتا وعدوا إلى شرقية بلبيس، ومروا من خلف الجبل وذهبوا إلى جهة الصعيد، ورجع علي كتخدا ويحيى كتخدا سليمان بك إلى مصر بالحملة والجمال وبعض مماليك وأجناد.
وفي أواخر رمضان، هرب أيضاً أيوب بك من المنصورة وذهب إلى الصعيد أيضاً، وتواترات الأخبار بأنهم اجتمعوا مع بعضهم واتفقوا على العصيان، فأرسلوا لهم محمد كتخدا أباظة وأحمد أغا جمليان وطلبوهم إلى الصلح ويعينون لهم أماكن يقيمون بها ويرسلون لهم احتياجاتهم، فأتوا ذلك، فطلبوا عثمان بك الشرقاوي ومصطفى بك للحضور فامتنعا أيضاً وقالا: لا نحضر ولا نصلح إلا أن رجع إخواننا رجعنا معهم، ويردون لهم أمرياتهم وبلادهم وبيوتهم ويعطلوا من صنجقوه وأمروه عوضهم. فلما حضر الجواب بذلك شرعوا في تجهيز تجريدة وأخذوا يفتشون أماكن الأمراء المذكورين، فأخذوا ما وجدوه بمنزل مصطفى بك واتهموا أناساً بأمانات وودائع لمصطفى بك وعثمان بك الشرقاوي منهم الدالي إبراهيم وغيره، فجمعوا بهذه النكتة أموالاً كثيرة حقاً وباطلاً.
وفي يوم الخميس عشرين شهر شوال كان خروج المحمل والحجاج وأمير الحاج مصطفى بك الكبير، ولما انقضى أمر الحج برزوا للتجريدة وأميرها إبراهيم بك الكبير وجمعوا المراكب وحجزوها من أربابها وعطلوا أسباب التجار والمسافرين وجمعوا الأموال كما تقدم من المصادرات والمتلزمين والفلاحين وغير ذلك، وكان أمراً مهولاً أيضاً، وبعد أيام وصل الخبر بأن إبراهيم بك ضمهم للصلح واصطلح معهم وأنه واصل صحبتهم جميعاً.
وفي سادس عشر ذي القعدة حضر إبراهيم بك ووصل بعده الجماعة ودخلوا إلى مصر وسكنوا في بيوت صغار ما عدا عثمان بك ومصطفى بك، فإنهم نزلوا في بيوتهم وحضر صحبتهم أيضاً علي بك وحسين بك الإسمعيلية، فلم يعجب مراد بك ما فعله إبراهيم بك ولكن أسره في نفسه ولم يظهره، وركب للسلام على إبراهيم بك فقط في الخلاء ولم يذهب إلى أحد من القادمين، وسكن الحال على ذلك أياماً وشرع إبراهيم بك في إجراء الصلح وصفاء الخاطر بينهم بين مراد بك، وأمرهم بالذهاب إليه فذهبوا إليه وسلموا عليه ثم ركب هم الآخر إليهم ما عدا الثلاثة المعزولين، وكل ذلك وهو ينقل في متاع بيته وتعزيل ما فيه، ثم إنه ركب في يوم الجمعة وعدى إلى جزيرة الذهب وتبعه كشافه وطوائفه وأرسل إلى بولاق وأخذ منها الأرز والغلة والشعير والبقسماط وغير ذلك، فأرسل له إبراهيم بك الجين بك وسليمان بك أبا نبوت ليردوه عن ذلك فنهرهم وطردهم فرجعوا، ثم إنه عدى إلى ناحية الشرق وذهب إلى قبلي وتبعه أغراضه وأتباعه وحملته من البر والبحر.
وفي هذه السنة قصر مد النيل وانهبط قبل الصليبة بسرعة فشرقت الأراضي القبلية والبحرية وعزت الغلال بسبب ذلك وبسبب نهب الأمراء وانقطاع الوارد من الجهة القبلية، وشطح سعر القمح إلى عشرة ريالات الأردب، واشتد جوع الفقراء. ووصل مراد بك إلى بني سويف وأقام هناك وقطع الطريق على المسافرين، ونهبوا كل ما مر بهم في المراكب الصاعدة والهابطة.

.من مات في هذه السنة من الأعيان:

توفي الفقيه النبيه العمدة الفاضل حاوي أنواع الفضائل الشيخ أحمد ابن الشيخ الصالح شهاب الدين أحمد بن محمد السجاعي الشافعي الأزهري، ولد بمصر ونشأ بها وقرأ على والده وعلى كثير من مشايخ الوقت، وتصدر للتدريس في حياة أبيه وبعدموته في مواضعه، وصار من أعيان العلماء، وشارك في كل علم وتميز بالعلوم الغريبة، ولازم الوالد وأخذ عنه علم الحكمة والهداية وشرحها للقاضي زاده قراءة بحث وتحقيق، والجغميني ولقط الجواهر والمجيب والمقنطر وشرح أشكال التأسيس وغير ذلك، وله في تلك الفنون تعاليق ورسائل مفيدة، وله براعة في التأليف ومعرفة باللغة وحافظة في الفقه. ومن تآليفه شرح على دلائل الخيرات كالحاشية مفيد، وشرح على أسماء الله الحسنى قرظ عليه الشيخ عبد الله الأدكاوي رحمه الله تعالى، هذا وكان ممن منحه الله أسرارها وأظهر أنوارها فأوضح من معانيها ما خفي ومنح طلابها كنزاً يتنافس في مثله أنبل الفضلاء وأفضل النبلاء، أحمد الاسم محمود الصفات على الفعل حسن القول والذات نجل العالم العلامة العمدة الفهامة كعبة الأفضال وقبلة الإجلال من تقصر عن تعداد محاسنه ولو طولت باعي مولانا الشيخ أحمد السجاعي حفظ الله عليه نجله الرشيد وأراه منه ما يسر القريب والبعيد، وحين لمحت عيني ما كتب مما حقه أن يرقم بدل الحبر بالذهب عوذته بالله من عين كل حسود وعلمت أنه إن شاء الله تعالى سيسود وتطأ أخمصه أعناق الأسود. وسمع المترجم معنا كثيراً على شيخنا السيد محمد مرتضى من الأمالي وعدة مجالس من البخاري وجزء بن شاهد الجيش والعوالي المروية عن أحمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر المسماة بسلسلة الذهب، وغير ذلك. ومن فوائد المترجم أنه رأى في المنام قائلاً يقول له: من قال كل يوم يا الله الجبار يا قهار يا شديد البطش ثلثمائة وستين مرة أمن من الطاعون. توفي ليلة الاثنين سادس عشر صفر من السنة، بعد أن تعلل بالاستسقاء، وصلي عليه بالغد بالجامع الأزهر، ودفن عند أبيه بالبستان رحمه الله تعالى.
ومات الشيخ الصالح الناسك الصوفي الزاهد سيدي أحمد بن علي ابن جميل الجعفري الجولي السوسي من ولد جعفر الطيار ولد بالسوس واشتغل بالعلم قليلاً على علماء بلاده، ثم ورد إلى مصر في 1182 فحج ورجع وقرأ معنا على الشيخ الوالد كثيراً من الرياضيات مع مشاركة سيدي محمد وسيدي أبي بكر ولدي الشيخ التاودي بن سودة حين وردا مع أبيهما في تلك السنة للحج والشيخ سالم القيرواني، ثم غلب عليه الجذب فساح وذهب إلى الروم مجاهداً وأصيب بجارحات في بدنه وعولج حتى برأ وتعلم اللغة التركية، وعرضت عليه الدنيا فلم يقبلها، والغالب عليه إخفاء الحال. وورد إلى مصر في سنة إحدى وتسعين وتزوج بمصر وأقام بها مع كمال العفة والديانة سلامة الباطن والانجماع عن الناس، مع صفاء الخاطر والذوق المتين والميل إلى كتب الشيخ الأكبر والشعراني وزيارة القرافتين في كل جمعة على قدميه. أحببت لقاء الله تعالى توفي في ثالث ربيع الأول من السنة ودفن بالقرافة رحمه الله تعالى.
ومات العمدة العلامة والحبر الفهامة قدوة المتصدرين ونخبة المفهمين النبيه المتفنن الشيخ محمد بن إبراهيم بن يوسف الهيتمي السجيني الشافعي الأزهري الشهير بأبي الإرشاد ولد سنة 1154 وحفظ القرآن وتفقه على الشيخ المدابغي والبراوي والشيخ عبد الله السجيني وحضر دروس الشيخ الصعيدي وغيره، وأجازه أشياخ العصر وأفتى ودرس، وتولى مشيخة رواق الشراقوة بالأزهر بعد وفاة خاله الشيخ عبد الرؤوف، واشتهر ذكره وانتظم في عداد المشايخ المشار إليهم بالأزهر، وفي الجمعيات والمجالس عند الأمراء ونظار الأزهر وفي الأخبار، وله مؤلفات في الفنون، وكتب حاشية على الخطيب على أبي شجاع إلا أنها لم تكمل، ورسائل في مستصعبات المسائل بالمنهج، وصنف رسالة تتعلق بنداء المؤمنين بعضهم بعضاً في الجنة. توفي في أواخر القعدة.
ومات الإمام الهمام والعلامة المقدام المتقن المتفنن المفيد الشيخ يوسف الشهير برزة الشافعي الأزهري أحد العلماء المحصلين والأجلاء المفيدين، تفقه على الشيخ العلامة الشيخ أحمد رزة وإليه انتسب وبه اشتهر وحضر على كل من الشيخ الحفناوي والشيخ أحمد البجيرمي والشيخ عيسى البرواي، ودرس الفقه والمعقول بالأزهر وأفاد وأفتى وصار في عداد المتصدرين المشار إليهم من الانجماع والحشمة والكمال والرئاسة وحسن الحال، ولم يتداخل كغيره في الأمور المخلة. ولم يزل مقبلاً على شأنه حتى توفي في عاشر جمادى الأولى من السنة.
ومات الشيخ الصالح الورع علي بن عبد الله مولى الأمير بشير جلبه مولاه من بلاد الروم وأدبه وحبب إليه السلوك، فلازم الشيخ الحفني ملازمة كلية وأخذ عنه الطريق وحضر دروسه وسمع الصحيح على السيد مرتضى بتمامة في منزله بدرب الميضأة بالصليبة، وكذلك مسلم وأبو داود، وغير ذلك من الأجزاء الحديثة ومسلسلات بن عقيلة بشروطها، وغالبها بقراءة السيد حسين الشيخوني. وكان إنساناً حسناً حلو المعاشرة كثير التودد لطيف الصحبة مكرماً محسناً خيراً له بر وصدقات خفية، توفي في يوم الأحد تاسع عشرين رجب، بعد أن تعلل بالفتق عن كبر، وصلي عليه بسبيل المؤمنين ودفن بالقرب من شيخنا محمود الكردي بالصحراء. وكان منور الوجه والشيبة وعليه جلالة ووقار وهيبة يلوح عليه سيما الصلاح والتقوى رحمه الله تعالى.
ومات الشيخ الصالح عيسى بن أحمد القهاوي الوقاد بالمشهد الحسيني وخادم النعال بالموضع المذكور، كان رجلاً مسناً سخياً بما يملك مطعاماً للواردين من الغرباء المنقطعين، وأدرك جماعة من الصالحين وكان يحكي لنا عليهم أموراً غريبة، وله مع الله حال وفي فهم كلام القوم ذوق حسن، وللناس فيه اعتقاد عظيم. وفي أخرة أعجزة الهرم والقعود فتوجه إلى طندتا في آخر ربيع الثاني ومكث هناك برحاب سيدي أحمد البدوي إلى أن توفي يوم الأربعاء ثاني عشر جمادى الثانية، ودفن عند مقام الولي الصالح سيدي عز الدين خارج البلد في موضع كان أعده السيد محمد مجاهد لنفسه فلم يتفق دفنه فيه.
ومات العلامة الفاضل المحدث الصوفي الشيخ أحمد بن أحمد بن أحمد ابن جمعة البجيرمي الشافعي، قرأ على أبيه وحضر درس العشماوي والعزيزي والجوهري والشيخ أحمد سابق والحفني وآخرين، ودرس واكب على إقراء الحديث، وألف في الفن وانتفع به الناس وكان يسكن في خانقاه، سعيد السعداء مع سكون الأخلاق والانجماع عن الناس وملازمة محله ولا زال يفيد ويسمع حتى وافاه الحمام في يوم الجمعة ثاني رمضان، وكانت جنازته خفيفة لاشتغال الناس بالصيام، وكان يخبر والده أن جنازته كانت خفيفة رحمه الله.
ومات الفاضل المبجل سيدي عيسى جلبي بن محمود بن عثمان ابن مرتضى القفطانجي الحنفي المصري ولد بمصر ونشأ صالحاً في عفاف وصلاح وديانة وملازمة لحضور دروس الأشياخ، وتفقه على فضلاء وقته مثل الشيخ الوالد والشيخ حسن المقدسي، وأخذ العربية والكلام عن الشيخ محمد الأمير والشيخ أحمد البيلي وغيرهما، واقتنى كتباً نفيسة، وكان منزله مورداً للفضلاء، وكان يعزم عليهم ويعمل لهم الضيافات في كل عام ببستان خارج مصر يعرف ببستان القفطانجي ورثه عن آبائه، وكان نعم الرجل مودة وصيانة رحمه الله تعالى وسامحه.